رحلة في مأساة امرأة

قصص من الواقع

0
  • قصة من الواقع…الفصل الاول
    ( رحلة في مأساة امرأة )سنعود بالذاكرة للماضي البعيد، فهناك، كان حال الناس البائس و الفقر المدقع، بعدما اجبرتهم الحرب على الهجرة من وطنهم،
    و بين ازقة المخيم حيث عاش الناس على امل العودة الى ديارهم، لذا كانت بيوت المخيم عبارة عن خيام يسكنها اللاجئون و بعد ذلك تحولت الى بيوت من الحجارة و الصفيح و اسطح القرميد.
    عاشت هناك اسرة حالها كان الاسوأ، ليس كباقي احوال العامة في ذلك الوقت، بل كان حال هذه الاسرة هو الاشد فقراً ، كون رب هذه الاسرة يعاني من امراض مختلفة. فقد كان المعيل الاب الستيني المريض و زوجته المغتربة و كانت الزوجة في الثلاثينات من عمرها،
    (وهي من احدى الدول المجاورة لفلسطين)
    و التي له منها اربعة اطفال، هم فاطمة ذات السنوات العشر و خليل في السابعة من عمره و منال و اسماعيل اللذان لم يتجاوز عمرهما الثلاث اعوام.
    الرجل كان متزوج من قبل بإمرأة قد توفيت منذ زمن، و له منها اولاد و بنات فمعظمهم هاجروا اثناء وقوع حرب التهجير، حيث هاجر الابناء المتزوجون الى مناطق مختلفة من البلدان العربية المجاورة، و الذين انقطعت اخبارهم و انقطع ايضا الاتصال بهم  آنذاك، و لم يتبقى له سوى ابنه واحدة متزوجة في نفس المدينة التى يسكنها و لكن في مكان بعيد بعض الشيئ عنه.
    الاب الطاعن في السن كان المرض يشتد عليه يوما بعد يوم، و تزداد حالته سوء. ، و حال اسرته يسوء ايضا، لأنه لم يكن يقوى على العمل، كي يُوفر لهم قوت يومهم، و اخذ المرض ينهشه حتى اصبح جسده هزيل نحيل، و كان بالكاد يقدر على مغادرة فراشه لقضاء حاجته.
    و لم تكن العائلة تملك ثمن العلاج، او ثمن مكوثه في المصحة، و كانت المراكز الصحية في ذلك الزمان غاية في التواضع، و غير قادرة على توفير إلا اشياء يسيرة من الادوية و المسكنات و التي لا تفي بالغرض.
    الزوجة المغتربة ام خليل ضاق بها الحال و التي اصبحت لا تعرف كيف تتصرف، ولا تملك اي شيئ سوى دموعها، و لكن لا شيئ يسعفها و لا شيئ يسد الحاجة، ودموعها التي لم تنقطع لن تجلب اي شيئ. فشعورها بالخوف الشديد على زوجها و مستقبل اطفالها كان يُذهب عقلها ويشل تفكيره.
    قررت ام خليل التوجه الى بيت ابنة زوجها، فوجدتهم في احوال ليس بالأحسن من حالهم، و قصت على الابنة ما اصابهم من مصيبةُ مرض الاب فكان جوابها الدموع ليس سواها، و كان الحال يُفصح عن نفسه امام اعين السيدة ام خليل و يتحدث بصمت عن الفقر الشديد الذي تعيشه الابنة و عائلتها.
    عادت ام خليل الى بيتها مْسَلِمة امرها الى الله…
    و بعد عدة ايام قليلة مات الزوج ليلفظ انفاسه الاخيرة من شدة المرض و ليرحل عنهم الى بارئه، رحل تاركا خلفه اطفاله الاربعة و امهم التي لا حول لها ولا قوة، هنا و في مشهد غاية في الاسى يتعالى صراخ و بكاء الاطفال على والدهم لتقع السيدة ام خليل مغمى عليها من فظاعة الشعور بالحسرة و الالم الذي كان يعتصر قلبها تارة و عندما يقع نظرها على اطفالها البؤساء تارةً اخرى، وعندما تنظر زوجها المتوفى، و التي لم تكن تملك حتى ثمن كفنه.
    و وسط ذهول عميق على ما أَلَمَ بها و بأطفالها، و حيرتها و خوفها الشديد على مستقبلهم في تلك الظروف القاسية، تمنت لو انها هي التي فارقت الحياة.
    حزن الحي كله ووقف الجميع حزين مصفد الايدي لينظر بعيون يملؤها الاسى و الالم مما تشاهده اعينهم وسط صراخ و بكاء تلك الأُم و الاطفال.
    تشارك الجميع لاقامة المراسم و دفن الرجل المتوفى.مرت ايام و ليالي طويلة تبكي ام خليل و تفتقد زوجها،  فعاشت مرارة الوحدة دون رجل يرعاها و يحميها… يحميها من العيون الطامعة بفقرها و بعض ذئاب البشر الشرسة و التي لن تتركها و شأنها. و لك ان تتخيل امرأة شابة جميلة ذات البشرة البيضاء ارملة و مغتربة، ليس لها احد. و لكن كان الله دوما يسخر لها من يحميها من اهل الخير و الكرم و الشهامة.
    و سرعان ما استفاقت السيدة ام خليل و اخذت نفسها بيديها لتنهض عازمة على تكملة المشوار لتربي اطفالها كما تحب اي ام في هذه الدنيا.
    كانت ام خليل محبوبة ذات شخصية مرحة خفيفة الدم تحب المزاح و الضحك و لغرابة لهجتها فهي مختلفة بعض الشيئ، فكانت نساء الحي تحبها و تحب حديثها. لذا كانت النساء تدعوها للمساعدة في بعض امور بيوتهن و اخذت تعمل في البيوت تساعد نساء الحي في اعمال التنظيف و الطبخ لتتلقى منهم ما تيسر من نقود و ملابس بالية و خبز و أطعمة.
    تُحدث السيدة ام خليل عن حياتها المليئة بالغرائب و ما تشاهده من عجب العجاب، و مآسي و قلة الحيلة، وما كانت تتعرض له من مشاكل كثيرة لأنها وحيدة وسط غابة،  و لطالما كانت تشعر احيانا ان البقاء في هذه الغابة فقط للأقوى. و تقول كنت اتمنى دائما ان تقوم الحرب و تأتي الدبابات و تسحقنا،، كي ارتاح من الهم. ذلك الهم الذي كان دائما يخنقها و لا تعرف للراحة طريق. ولكن ايمانها العميق بأن الله يرعاها، و تحديَّها لتلك الظروف القاهرة، كان ذلك الشعور دائما يهدئ روعها.  فتقول لنا الله فهو المعين، و الله لا ينسى احد.
    ظلت على هذا الحال عدة اعوام حتى تسلمت عمل في مستشفى المدينة و كان الأجر جيد. عملت السيدة ام خليل حتى كبر ابنائها، و في يوم تقدم احد شباب المنطقة ليخطب ابنتها الأكبر فاطمة، و بعدها تزوجت فاطمة لتلقى ام خليل فرحتها الاولى و هي فخورة بنفسها و ما صنعته لاولادها. و دخل الصهر بيتهم كإبن و كان دائما في المقدمة و يمد لهم يد العون.
    و بعد فترة بسيطة تخرج خليل من المدرسة و اخذ يعمل ليعيل الاسرة، اخذاً مكان الاب لاخوته و كذلك طلب من والدته ان تترك العمل و تجلس في بيتها معززة مكرمة لانه جاء الوقت لترتاح و يزول الهم عنها. كانت تلك هي لحظات السعادة الحقيقية لتلك الام العظيمة.الفصل الثاني
    (منال هي الاجمل)
    كبرت منال لتبدأ من هنا الحكاية،
    منال الجميلة الابنة الاصغر و التي هي الان شابة في الثانوية العامة.
    منال و منذ نعومة اظافرها عاشت حياة البؤس و الحرمان فقد كان عمرها لا يتجاوز الثلاث اعوام حين فارقهم والدها. و عاشت في كنف اخوتها و والدتها التي كانت تشقى لتوفر لهم احتياجاتهم.
    فمنال لم تكن كباقي الفتايات من بنات جيلها بل كانت تسبق عمرها بذكائها لتكون الافضل في التحصيل العلمي و كانت مميزة داخل مدرستها، فهي خلوقة و مؤدبة عفيفة النفس رغم فقرهم. و كانت الاجمل ذات العيون الكبيرة الملونة و صاحبة البشرة البيضاء و الشعر الاشقر كان الجميع يناديها (ماري) الانجليزية، كون مظهرها يشبه الغرب.
    عندما كانت تخرج من بيتها كان شباب الحي كله يقف مذهولا من شدة جمالها و يتمنى الجميع ان يتحدث اليها او يجاملها، و لكن كان يمنعهم وقارها و ادبها و الاحترام الذي كان يكنه الجميع لبيت السيدة ام خليل.
    منال الطموحة ذات النظرة الواسعة البعيدة في الدنيا و كونها ذكيه و تتلقى اعلى الدرجات في دراستها كانت تحلم بأن تتعلم كي تصبح طبيبة تفيد مجتمعها، و تفتخر بها امها، او لعلها تعوض الحرمان الذي عاشته في طفولتها.
    و لكن كان القدر مختلف.
    ففي ذات يوم كانت عائدة من المدرسة الى بيتها بمحاذات سوق الحي الذي كانت تسكنه، و اذا بها تنظر لترى شاب وسيم كان يعمل في السوق و يقف اعلى سيارة و تلك السيارة كانت محملة بصناديق من الاسماك و كان ذلك الشاب يقوم بتفريغ حمولة السيارة، و ما ان وقع نظره عليها، و عيناه في عيناها، ما لبث و ان اسرع مهما بالنزول من اعلى السيارة، لانه اراد ان تراه في ابها صورةً له، و اذ به يضع قدمه باحدى صناديق الاسماك التي انزلها في الاسفل، ليقع على الارض و تتناثر من حوله الاسماك ليكون ذلك مشهداً مضحكاً ، و كذلك مسببا له غاية في الحرج.
    تبسمت منال و مضت في طريقها.
    مضت و لا يزال منظر ذلك الشاب في مخيلتها فترتسم البسمة على شفتيها كلما تذكرته، و كان باديا عليها بأنها أُصيبت بداء الاعجاب او الحب من النظرة الاولى، او لعل القدر هنا الذي كان يعد لها  ليلعب دوره و يفرض نفسه…
    و في اليوم التالى ايضا وهي عائدة الى البيت مع صديقتها كانت تمشي بخطى بطيئة تتحدث الى صديقتها، و تنظر نحو المكان ذاته الذي رأت فيه ذلك الشاب… و اذ بها تراه يقف خلف سيارته و لكنه اليوم كان شكله مختلف مرتدي اجمل ما عنده من ملابس و كأنه كان ينتظرها… تمر من امامه ليتأكد من نظراتها تجاهه. و بالفعل كان ذلك
    (3)
    مرت من امامه و ما ان وقع نظرها عليه غابت عن الدنيا و اصبحت تائهة  تماما. كما انها فهمت ان ذلك الشاب يبادلها نفس الشعور… و سرعان ما انتبهت على صوت صديقتها تناديها منال… منال… الى اين تذهبين فطريقنا ليس من هنا بل من هنا، حينها شعرت منال ان شيئ غريب يحدث، و كأنه سحرٌ ما حاط بها!!!.
    لينتابها شعور بالفرح و القلق و الخجل معا.
    و ظل هذا الحال من النظرات بينهم، الى ان انتبهت صديقتها من تلك النظرات بين منال و الشاب الوسيم، فسألت الصديقة: يا منال هل تعرفين ذلك الشاب؟؟؟
    اجابت منال لا لا اعرفه و لكن اود ان اعرف عنه، فهل انت تعرفينه ردت سائلة لصديقتها…
    اجابت الصديقة نعم بالطبع اعرفه فهو صديق اخي فريد و اسمه حسن فهم و اخي فريد اصدقاء منذ الطفولة.
    فردت منال ولكن هذا غريب لمذا لم اراه من قبل!
    فقالت الصديقة لانه بدأ يعمل في السوق حديثا منذ عدة اسابيع فقط مع اخاه الاكبر، بعدما خرج من سجون الاحتلال فهو منخرط في الاعمال الفدائية و لكن لا احد يعرف، و كونه رفيق لأخي فأنا اعرف.
    ولكن اياكِ ان تتفوهي فلا اريد ان اوصيكِ بالا تتحدثي بهذا الامر مطلقا افهمتي…
    ازداد اعجاب منال بحسن الذي كان اسم على مسمى و كان مشهودا له بحسن خلقه و ادبه و روحه الطيبه. و كما مظهره حسن الملامح و الوسامة البادية عليه، و  من تعامل معه و عرفه فقد كان الجميع يصفه بأنه فعلا هو الحسن.
    و ذات يوم ذهبت منال مع والدتها الى السوق كي تشتريا بعض حاجيات المنزل و اذ بها تقف امام حسن وجها لوجه مع والدتها، فتسأله عن بعض السلع التي كان يبيعها، و حين رآهها دخل في حالة شرود ذهني و
    بدى عليه التوتر و الخجل، و بعدما ان قام باكتيال الخضروات التي شرينها قام بوضع وعاء الميزان بالخضرة معاً لهم في الظرف دون ان يدري ماذا تصنع يداه.
    فذهبتا عدة خطوات، الى ان لاحظت منال الوعاء لتعود و تعطيه اياه مبتسمة و مطمئنه له بنظراتها انها مستدركة الموقف.
    ذهبتا بعيدا… و بقى جالسا غارقا في فضاء احلامه و يتخيل تلك الفتاة التي خطفت قلبه بأنها زوجة له و ام لأولاده، و يتخيلها حين تستقبله وهو عائداً من عمله متعب بعد يوم شاق… فتمسح على جبينه و تقول له عافاك الله حبيبي…
    و في لحظات غرقه العميق في أحلامه، اتاه رفيق دربه فريد، فألقي عليه التحيه و اخذ يحدثه عن امر ما يخص عملهم الفدائي؛ و بعد حديث طويل، لاحظ فريد ان حسن لا يسمعه و لا يراه اصلا، لينادي حسن يا حسن هل انت معي؟ هل انت نائم؟ هل تسمعني؟… ليستفيق فزعا بعض الشيئ نعم، نعم يا رفيقي نعم، أعد ماذا قلت؟ قص عليه انه يجب عليهم ان يقوموا بعقد اجتماع مع بافي رفاق المجموعة لأنهم اصبحوا جاهزين لتنفيذ عمليه نوعية ضد جيش المحتل، لذا هناك الجميع ينتظرك  و يجب علينا التوجه لعقد اللقاء و اتمام التعليمات، أسمعت يا رفيقي، يقول فريد لحسن.
    ففي هذه الاثناء و في تلك الحقبة من الزمان كانت العمليات الفدائية مستعرة و في اوَّجها ضد قوات الاحتلال. فقد كان جيش و عصابات المحتل المجرم  يطارد المواطنين و ينَّغص عليهم حياتهم و ينكل بهم و يفسد معيشتهم و يطاردهم في لقمة عيشهم، مما دفع شباب الارض المحتلة بتشكيل  خلايا فدائية لتقاوم قوات الاحتلال المجرم.
    فكان حسن في المقدمة و لطالما اعتقله جيش الاحتلال و لكنه كان دائما يصمد تحت التحقيق الوحشي في زنازين التعذيب.
    ليقول دائما للمحقق انا لا اعرف شيئ انا كنت نائم و لم ارى اي شيئ.
    حسن هو قائد المجموعة،  و بعدما انتهى الرفاق من جمع المعلومات، ذهب حسن و اجتمع برفاقه.
    فكل واحد منهم سلم له ملاحظاته الاستطلاعية ليعُّد حسن الخطة فيما بعد و يحدد لهم ساعة الصفر و يحدد المهام المطلوبة من كل واحد منهم.

هنا  قرر حسن حفر نفق يؤدي الى خندق تحت الارض، داخل السوق في زاوية مهجورة، بعد ملاحظتهم ان جيش الاحتلال يمر من هذه الزاوية احيانا ليتفقدها، فهنا و من المكان ليس بالبعيد من دكان حسن، وبعد حفر الخندق قاموا بتغطيته بألواح من الصفيح و من ثم غطوه بالتراب كي لا يلفت الانظار، بعد ربط الواح الصفيح بحبل كي يقوموا بكشف الخندق عن بُعد عند الحاجة.
و في احدى الليالي الشتوية شديدة المطر و الحالكة الظلام، كان حسن بصحبة رفاقه في دكانه يعُد و يرتِّب بعض البضائع لساعة متأخرة من تلك الليلة، و عندما هموا بالرحيل سمع احدهم صوت سيارة عسكرية احتلالية تقترب من المكان.. فتراجعوا للخلف كلْ آخذاً موقعه، و ظل حسن متربصا خلف الباب الذي ابقاه مواربا لينتظر مرور الدورية حتى يخرج و يشد الحبل المربوط بالصفيح و عندها تنكشف حفرة الخندق.
و قبل مرور الجيب من امام دكانه، و اذ بالجيب العسكري يسقط في الحفرة المعدة مسبقا بعدما امتلأت بمياه الامطار و لم تعد ظاهرة في وسط السوق، فوقع الجنود على الارض مصابين و كان عددهم حنديان و السائق ثالثهم. و كان حسن بصحبة رفاقه يراقب و يشاهدوا ما يحدث، ففكر بسرعة البرق و تسلل إليهم قابضاُ في يده خنجره الذي كان يخبأه في احدى شقوق الحائط في دكانه، و انقض على الجندي الغير مصاب حين كان يحاول مساعدة الاخرين  فطعنه و ليجهز عليهم جميعا و يأخذ سلاحهم و يعود الى داخل الدكان ليلتقط قطعة من القماش و يلف بها السلاح و يأمر رفاقه بإخلاء المكن بسرعة فتوجه لبيت رفيقه فريد، حتى يخبئا السلاح معا.
فأدخله فريد البيت بسرعة متسللاً بخفه، و اخذ فريد يسأل ماذا حدث؟ و ماذا فعلنا؟ و هل تظن ان يكون شاهدنا احد؟، و خر مستلقيا على الارض متعباً و منهكاً، هنا، اسرع اليه حسن ليطمئنه.. و الذي كان ايضاً بالكاد يلتقط انفاسه، و يحمل السلاح الذي استولوا عليه في يده.. و في هكذا اجواء! ظل فريد مشتتاً لا يفهم شيئ! لبرهة من الوقت و حسن لا زال في حالة من الذهول أيضا لأن العملية كانت نوعية و كبَّدوا جيش الاحتلال خسائر بالغة.

و بعد ان هدأ كلاً منهما، و شربا بضع رشفات من الماء اخذا في التشاور.. و شرح حسن ماذا حدث، و كيف فكر بسرعة عندما انقض على الجنود. و بعدها قام فريد مفزوعا، و قال يجب ان نخبئ السلاح لأن جيش الاحتلال سيقلب المخيم الان رأساً على عقب و سيقوم بالتمشيط و البحث عن الفاعل. و الان اظن انهم اكتشفوا امر الجنود لذلك قم بنا نحفر في حوش البيت لنخفي جميع الادلة. و فعلا قاما بالحفر بسرعة و اخفيا السلاح بعد ان عزلاه جيدا في اكياس من النايلون. و بعدها قفز حسن من فوق حائط بيت فريد الى الشارع الضيق المجاور و من ثم الى الزقاق و تسلق بعض الجدران لينتهي به الامر في بيته،  استحم و غير ملابسه و خلد الى النوم. و بعد وقت وجيز استيقظ على اصوات جنود الاحتلال و هم يحيطون به و بالمنزل من كل جانب، فانقضوا عليه يكبلون يداه و يعصبون عيناه، و اقتادوه الى المعتقل، برفقة جميع شباب الحي و من بينهم ايضا فريد.
و اخذوا بتعذيبهم اشد عذاب،  و قد كان الحتلال  لا يقدم الطعام للسجناء و لا يسمحون لهم بدخول دورة المياه، و طبعا تعذيب شديد و ضرب مبرح.
و نال حسن القسط الاكبر من العذاب كون الحادثة وقعت ليس بالبعيد من دكانه،
فقد كان يتعرض للشبح عاريا بعد تجريده من ملابسه في برد الشتاء القارس و رش المياه البارد على جسده الذي اصبح نحيل بعد ثلاثة اشهر من التحقيق و التعذيب داخل زنازين المعتقل، و كان لسان حال حسن دائما انا لا اعرف شيئ انا كنت نائم، اتى جنودكم و انا نائم في بيتي..

*ففي هذه الاثناء و بعد مرور تلك المدة قامت منال بتحريض  الاهالي  و دعتهم للتجمع في الحارة متسائلين عن مصير ابنائهم، و ماذا حل بهم.. فهنا تصدرت منال الموقف و بدأت مع صديقتها بكتابة  المناشير و توزيعها على الاهالي حتى يتحركوا و يتظاهروا في وجه الاحتلال مطالبين بالافراح عن ابنائهم. فأصبحت التظاهرات تخرج بشكل يومي في وجه جنود الاحتلال، تبدأ بالهتاف و تنتهي بالاشتباك مع الجيش المدجج بالسلاح.
حتى مل المحققين و تم انهاء القضية، و لكن تم الحكم على جميع من اعتقل في تلك الليلة بمدة ستة اشهر احترازيا، و اما حسن كونه صاحب اسباقيات لديهم، فقد قاموا بالحكم عليه مدة عام كامل.
فتمضي الايام و الليالي حتى مر على سجنه ستة اشهر
و عينا منال لا تفارق خياله.

 و افرج الاحتلال عن رفيفه فريد فقام حسن بكتابة رسالة الى محبوبته لينقلها فريد اليها عبر اخته صديقة منال.
يكتب حسن…
إلى من كان قلبي بين يديها…إلى كل حياتي إلى من هي روحي اكتب لك هذه الرسالة وفيها كلام كتبه قلبي،  حاولت أن اقول لكِ و تسمعيني ولكن القدر لم يشـاء أن تسـمعي من شـفتاي، و أتمنى أن تكـون هـذه الرسـالة أجمل من أن تسـمعيني :
لما كنتِ بقربي كان كل شـيء في حياتي جميل لـه معنى والحياة صار لها طعم أخر، كنت أعيـش أحلى واجمل لحظات عمري أطير في السـماء العالية واسـرح في عيونك وارسـمها في السـماء كي لا تفارقني، كنت في كل ليلة اسـرح مع النجوم السـاطعة أتكلم عنك وعن عيونك حتى أن النجوم أصبحت تعشـق اسـمك والقمر يسـألني عنك وعن ســحر عيونك، و لكن عندما حال الفراق بيننا، اكتم أهاتي و ابوح للنجوم والقمر فأصبحت اكلم القمر وكنت أقول له ابعث سلامي لحبيبتي اعرف ان عيونها الان تنظر اليك، و تشـع نور وحنان.
يا قمر اخبرها بأن عيناها  عندما اتذكرهما كأني ملكت الدنيا وما فيها من حب وعشـق وأرى فيهما كل شـيء كنت أتمناه الحنان والأمل وحب الحياة، والحب الذي كنت ابحث عنه، اخبرها عن قلبي اتسـمعه؟ وهو ينبض بالفرح حين اتذكرها.. فلا اريد من هذه الدنيا الا اكون معها و لا أفكر بشيء إلا بها وبصوتها الذي يدخل إلى قلبي دون أن يخرج لأن صوتها انغام عذبة. يا قمر اهي مـلاك يعيـش بين البشــر؟……..
أه يـا قمـر لـو تدري ماذا فعلت بي الزنازين جعلتني كل ليلة اجلـس بالظلام وحيد دون حبيب ولا رفيق، كم اشـتقت لـو أني بقربها و اقدم لها وردة.
يا قمر اريد اسمع من شـفتيها كلمة “حبيبي” اشـتقت اشتقت. و اطلب منك يا منال ان انتظريني فلم يبقى الا القليل يا حبيبتي.. و بعد خروجي من السجن سأتقدم بطلب يدك من اخاك خليل و امك السيدة ام خليل.

تلقت منال رسالة  حسن و اخذت تقبلها لانها كانت بين يدي محبوبها…  تقرأ منال و كلما قرأت تبللت الرسالة بالدموع.
و كانت تُصبِّرَ نفسها و تقول لم يبقى الا القليل.
و على الفور قامت منال بإخبار اختها انها على علاقة بالشاب الوسيم الخلوق حسن و انه على استعداد للتقدم لها و بشكل رسمي. و هنا ابدت الاخت بعض من الموافقة مع التحفظ، و قالت عندما يخرج سوف نرى.

يتبع…

Leave A Reply

Your email address will not be published.